الثلاثاء 10 رمضان 1445 - الموافق 19-03-2024
آخر الأخبار

الكاتب فهد الأحمدي يكتب : من هو المثقف؟

من هو المثقف؟

بقلم : فهد الأحمدي

في إحدى الأمسيات الثقافية سألني شاب خجول عن الفرق بين العبقري والمبدع؟
فاجأني السؤال ولكنني قلت:

"من حق كل انسان أن يقول اخترعت كذا أو أبدعت كذا ولكن ليس من حقه أن يصف نفسه كعبقري كون العبقرية منزلة يمنحها الناس ويجب أن يُترك حكمها للتاريخ وإبداعات الفرد ذاته".

.. وعلى نفس السياق أعتقد أن الأمر ذاته ينطبق على الفرق بين (المثقف) و(المتعلم)..

فمن حق أي انسان أن يقول تعلمت في جامعة كذا، أو حصلت على شهادة كذا وكذا، لكن ليس من حقه أن يصنف نفسه كمثقف ومطلع وحكم كهذا يجب أن يترك لعامة الناس ومحصلة إبداعات الفرد ذاته!

والحقيقة أنني في فترة من فترات حياتي فكرت بوضع اختبار يتكون من 1000 سؤال لتحديد من هو المثقف.. فكرت بوضع أسئلة شاملة ومنوعة وافترضت أن الإجابة عن 75% منها تكفي لمنح الانسان صفة الثقافة ولقب "مثقف".. ولكنني اليوم أعتقد أن امتحانا كهذا لا يثبت غير جزء واحد من شخصية المثقف هي: تنوع المعرفة وسعة الاطلاع..

فالثقافة الحقيقية ليست فقط كما هائلا من المعلومات (فشبكة الانترنت كذلك) بل سلوك متحضر، وذهن متفتح، ورؤية شاملة، وامتزاج معلوماتي، وتسامح فكري، واطلاع على ثقافات ومصادر مختلفة- بعضها متناقض بمعنى الكلمة-..

المثقف ليس متعصبا ولا متشددا ولا نتاج ثقافة وحيدة أو أفكار مقولبة أو رؤية مقدسة ولا ينظر لنفسه كذلك..

المتعلم (وليس المثقف) هو من قد يكون كذلك.. فمن يحمل شهادة أكاديمية ينتمي بالضرورة لمنهج رسمي، وتخصص وحيد، وفكر مقولب، ورؤية موروثة.. المتعلم متخصص بالضرورة في مجال واحد يطغى على تفكيره ولا يملك رؤية شاملة تدمجه بغيره وينظر لنفسه كخريج مدرسة مستقلة في الرؤية والأهداف.. المتعلم يصعد رأسيا في تخصص وحيد، في حين ينتشر المثقف أفقيا في عالم من الثقافات والأفكار المتقاطعة - دون الانتماء بالضرورة لفكر ضيق يحد من قدرته على التحليل والاستنتاج..

يقول المؤرخ العراقي علي الوردي (في خوارق الشعور):

".. المتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره.. فهو لم يزدد من العلم إلا ما زاد في تعصبه وضيّق نظره.. رجل آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيد رأيه الموروث وتحرّضه على الكفاح في سبيله.. أما المثقف فيمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة يتأمل فيها ويتبنى وجه الصواب منها.."

وفي الحقيقة؛
حتى عامة الناس يَعرفون (ويُعرفون) المثقف من خلال تنوعه المعرفي وإنتاجه الفكري، في حين قد يمضي المتعلم حياته مجهولا كونه نتاج تخصصات لم يبدعها بنفسه ولم يشتهر بين الناس كمنتج لها..

عامة الناس لا يحاسبون المتعلم على شهاداته ولكنهم يحاسبون المثقف على أفكاره التي قد تصادم ما ورثوه ونشأوا عليه.. المثقف بينهم قد يصبح مضطهدا أو سجين رأي، ولكن ذلك لا يحدث لمجرد تخرج أحدهم في الجامعة أو حصوله على درجة علمية عالية..

.. وبطبيعة الحال كل هذا لا يعني استحالة تحول "المتعلم" الى "مثقف" ولكن تحولا كهذا يتطلب أولا الخروج من شرنقة التخصص والانفتاح على كافة المصادر والمعارف والآراء والأفكار - ناهيك عن تأثر سلوكه الشخصي والفكري بهذا التحول..

وباختصار شديد :
العباقرة هم من يبدع الأفكار..
والمثقفون هم من يمتزج بها..
والمتعلمون هم من يدرسها كمنهج..
في حين يتحمل عامة الناس مسؤولية تصنيف الجميع..
.. وقبل أن أنسى؛
ابحث في النت عن مقال "هل يوجد مثقف أو فقيه في عصر غوغل؟"

أخبار متعلقة

د. آفاق الحاج تكتب عن الدكتور الشميري.. حيث جمال السرد وقوة الإلقاء

د. آفاق الحاج تكتب عن الدكتور الشميري.. حيث جمال السرد وقوة الإلقاء

د. عبد الولي الشميري يكتب: لغة الضاد ما لنا سواها

الضاد حرف لا يوجد في أي لغة سوي اللغة العربية الفصحي؛لذلك أطلق

الكاتبة اللبنانية دلال البزري تكتب: حسرة المثقف على انحساره

الكاتبة اللبنانية دلال البزري تكتب : حسرة المثقف على انحساره

أمير تاج السر يكتب: الروائيون والقصائد

ألاحظ في الآونة الأخيرة، أن ثمة اهتماما غير عادي بالقراءة، من بعض

د. عبد الكريم بكار يكتب: الموضوعية

د. عبد الكريم بكار يكتب: الموضوعية

د. مرزوق بشير بن مرزوق يكتب: فرض القناعات

د. مرزوق بشير بن مرزوق يكتب: فرض القناعات

محمد محفوظ يكتب : رؤية في نقد المثقف العربي

ثمة في الواقع العربي الراهن وفي الحقل الثقافي الفكري على وجه الخصوص

د. هشام الحمامي يكتب: المثقف العربي أفكارا وأوجاعا.. بن خلدون نموذجا

نستطيع أن نفهم وجود أخطاء بطبائع البشر أيا ما كانوا وأينما كانوا..