الثلاثاء 10 رمضان 1445 - الموافق 19-03-2024
آخر الأخبار

د. مرزوق بشير بن مرزوق يكتب: فرض القناعات

د. مرزوق بشير بن مرزوق يكتب: فرض القناعات

 

 

إحدى الإشكاليات التي يواجهها المتحاورون في أي مجال كان من مجالات الثّقافة والفكر هي فرض القناعات والمواقف على الآخرين، بمعنى، أن يفرض فرد أو مجموعة قراءاتها وتفسيراتها لفكر مُعيّن، سواء أكان فكراً تراثياً أم فكراً معاصراً، على كافة البشر القريبين والبعيدين، وتصل درجات الفرض إلى إلزامه قسرياً وبكافة الخيارات المتاحة، تطبيقاً لمقولة (مَنْ لم يتخذْ جانبنا وموقفنا، فهو ليس منّا)، وفي حالات الدين يصل الأمر إلى التكفير وإقامة الحدود بطريقة اعتباطية وانتقائية، واختيار الأعناق لقطعها، والأطراف لبترها، والأجساد لرجمها.

ينسى المتحاورون والمتجادلون حول فكر تاريخي أو فكر معاصر بأن ما يقوم الجدل عليه فكراً قابل للتفسير والجدل والفهم، وفكراً كتبه آخرون في عصر ما وموقف ما وثقافة ما، فالثّقافة والفكر في أغلبها نتاج نبت لتربتها التي بُذرت فيها، وسقيت فيها، ونمت فيها، وحتى الإنتاج الفكري المعاصر، هو أيضاً من جانبه انعكاس لظروفه، ومعطيات البيئة النفسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، التي أنتجت هذا الفكر.

إن قراءتنا لفكر الآخرين وتفسيرنا لهذا الفكر يتنوّع بتنوّع طريقة تناولنا له، ويخضع أيضاً لثقافتنا ومستوى تعليمنا وإدراكنا الذي نستحضره معنا عند قراءة ذلك الفكر، ومن ثَمّ سوف يختلف التفسير بين قارئ وآخر، باختلاف مستوياته العلمية والثّقافيّة والاجتماعيّة، وباختلاف مقاصده ونواياه التي تمتزج مع تفسيره لتلك القراءة، بل أكثر من ذلك، عندما يحدث أن تختلف تفسيراتنا لنفس المصدر عند إعادة قراءته باختلاف الظروف أو بالمتغيّرات والمستجدات التي أحدثتها تراكمات الخبرة فينا، فلقد قرأنا في الماضي العديد من الكتب والروايات، وعندما أعدنا قراءتها بعد سنوات خرجنا بمفاهيم مختلفة، وربما متناقضة مع تفسيراتنا الأولى.

إن كان الأمر كذلك، فلماذا يحاولون- أفراداً أو مجموعات- فرض تفسيراتهم الخاصة، ورؤيتهم على الآخرين، وهي تفسيرات تصل إلى درجة التقديس والالتزام بها وعدم الخروج عليها، لماذا تفسيرك أنت في مطلقه هو التفسير الصحيح والجازم، وتفسيري لنفس الفكر هو الخاطئ والمتجاوز للحقائق؟! لماذا أنت تدعي إنك تملك الحقيقة المطلقة، وعلى الآخر أن يخضع لتفسيراتك وينقاد لها؟! لماذا لا يكون العكس، فأنا مَنْ أملك التفسير المناسب لذلك الفكر وأنت جاهل به؟!

بما أنه لا توجد قراءة واحدة، وإنما قراءات متعدّدة لنفس الفكر، فلا يحق لأحد الادعاء بأنه صاحب الحقّ والفضيلة والفرد الأوحد في تفسيره، ولكي نتعايش في هذا الكون، علينا أن نتوافق، ولكل فرد الحقّ في تفسيره لفكر الآخرين وتراثهم، وهذا لا يمنع من خوض الجدل حوله من كل الأطراف حسب فهمها ومستوى علمها وثقافتها، وفي نهاية الأمر سوف أستمع لتفسيرك وعليك أن تستمع لتفسيري، فلربما اقتنعت ببعض منه، ولربما رفضته وكذلك أنت، لكن ليمضي كل منا بقناعاته دون الضرر بقناعة الآخرين، ودون التشابك معهم وإلغاء وجودهم.
* كاتب قطرى

أخبار متعلقة

د. آفاق الحاج تكتب عن الدكتور الشميري.. حيث جمال السرد وقوة الإلقاء

د. آفاق الحاج تكتب عن الدكتور الشميري.. حيث جمال السرد وقوة الإلقاء

د. عبد الولي الشميري يكتب: لغة الضاد ما لنا سواها

الضاد حرف لا يوجد في أي لغة سوي اللغة العربية الفصحي؛لذلك أطلق

الكاتبة اللبنانية دلال البزري تكتب: حسرة المثقف على انحساره

الكاتبة اللبنانية دلال البزري تكتب : حسرة المثقف على انحساره

أمير تاج السر يكتب: الروائيون والقصائد

ألاحظ في الآونة الأخيرة، أن ثمة اهتماما غير عادي بالقراءة، من بعض

د. عبد الكريم بكار يكتب: الموضوعية

د. عبد الكريم بكار يكتب: الموضوعية

محمد محفوظ يكتب : رؤية في نقد المثقف العربي

ثمة في الواقع العربي الراهن وفي الحقل الثقافي الفكري على وجه الخصوص

د. هشام الحمامي يكتب: المثقف العربي أفكارا وأوجاعا.. بن خلدون نموذجا

نستطيع أن نفهم وجود أخطاء بطبائع البشر أيا ما كانوا وأينما كانوا..

الكاتب فهد الأحمدي يكتب : من هو المثقف؟

في إحدى الأمسيات الثقافية سألني شاب خجول عن الفرق بين العبقري والمبدع؟ فاجأني